العنوسة والكبت الجنسي
في آخر دراسة احصائية اطلعت عليها عام 2005 بينت أن عدد العوانس في الجزائر 11 مليون عانس, بينهن 5 ملايين فتاة عانس فوق سن .35
وبالمقابل تحصل حالة زواج واحدة مقابل 4 حالات طلاق .
ونسبة العنوسة في مصر 9 مليون عانس بين شاب وفتاة. واعتمدت الاحصائيات عمر
35 سنة كتصنيف لحالة العنوسة وللأسف لم أحصل على دراسات إحصائية دقيقة
لنسبة العنوسة في الدول العربية. رغم أن هذه الظاهرة منتشرة ومتعاظمة
بشدة.
وإذا انتقلنا فوراً الى رأي يونغ مؤسس علم النفس الحديث والمحلل النفسي العبقري فإنه يحلل مشكلة الكبت الجنسي كما يلي:
يقول يونغ: إن الكبت الجنسي ليس مجرد كبت غريزة, بل إن خطورته أنه يجعل
الانسان يتدهور روحياً ومعنوياً, والعذاب ليس عذاب جسد لا يجد إشباعاً
لغرائزه فقط, بل هو عذاب نفسي وإحساس عميق باليأس وانعدام القيمة, لأن
الجنس هو طاقة حيوية وايجابية تعمل على توازن الشخص روحياً ومعنوياً.
وقد بين يونغ أن المكبوتين جنسياً يشعرون أن مرتبتهم الانسانية قد هبطت الى مستوى المعوق أوالمجنون.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الأرقام المخيفة لارتفاع نسبة العنوسة في
العالم العربي من جهة ومن جهة أخرى العقلية المحافظة -وغالباً المتشددة-
للعلاقة بين الرجل والمرأة, ندرك مأساة شريحة كبيرة من الشباب في العالم
العربي الذين يطحنهم الضيق المادي وعدم القدرة على الزواج وتأسيس أسرة
واستحالة عيش المشاعر الانسانية الطبيعية كالحب والجنس…
لذا نجدهم مضطرين لابتكار أشكال من الزواج .
وكلها أساليب تحايل على القوانين والعقلية الاجتماعية المحافظة وكي
يتمكنوا من التنفيس عن رغباتهم العاطفية والجنسية. إن مشكلة العنوسة تعني
أن هناك الملايين من الشباب المحبط والمصاب بأمراض نفسية خطيرة مثل
الاكتئاب, النظرة اليائسة للحياة, انعدام الأمل.. الخ وما يجر ذلك
للادمان, والانحراف بكل أشكاله..
وهذا يعني تعطيل وتدمير طاقات حيوية هائلة لهؤلاء الشباب الذين لو وضعوا
في ظروف انسانية وإشباع عاطفي وجنسي انساني ومتوازن, لأبدعوا وكانوا طاقات
انتاجية هائلة.
لكن ماذا ننتظر من ملايين الشباب (نساء + رجال) العاجزين مادياً عن الزواج
والمتصارعين مع غرائزهم التي تريد الاشباع الجنسي والعقلية الاجتماعية
العربية لا تسمح!!
وأظن صار معروفاً التأثير التدميري للكبت على الشخصية, الكبت أياً كان نوعه, (عاطفي, فكري, جنسي…)
لكن ما يستوقفني في مشكلة العنوسة هي المعالجة الفكرية والاجتماعية
والدينية الخاطئة واللامنطقية لها, فقد أتخمنا من الندوات والمقالات
والنقاشات التي تستفيض في الجدل الأبدي حول أشكال الزواج, ..الخ وهل هذا
زواج معترف به أم لا…
والأجدر أن يبحث هؤلاء المتنورين والباحثين عن حلول لأزمات الشباب, عن
الأسباب التي أدت لهذه الأشكال من الزواج… عليهم أن يناقشوا أزمة البطالة,
وانعدام فرص العمل, والرواتب الهزيلة التي تجعل الشباب عاجزين عن الحلم
وعيش مشاعرهم الانسانية…
يجب أن يناقشوا العقلية الاجتماعية والتقاليد البالية والتي يجب أن تتغير
تغيراً جذرياً.. ففي هذا الزمن من الظلم الكبير أن ننظر للرجل كممول في
مؤسسة الزواج وأن يطالب بمهر مرتفع وعلى المرأة التي تطالب بالندية
والمساواة مع الرجل أن تكون فاعلة ومعطاءة مثلها مثل الرجل تماماً…
لكننا نجد جمهوراً من رجال الدين يقولون من حق المرأة أن تحتفظ بمالها الخاص, ومسؤولية زوجها الانفاق على الأسرة!
لا أعرف أين مفهوم الشركة والمؤازرة بين الزوج والزوجة?! إن أحد أهم أسباب
معالجة مشكلة العنوسة هو خلق ثقافة اجتماعية ورؤية جديدة للعلاقة بين
المرأة والرجل وإن مراجعة سريعة لعدد جرائم الشرف, وارتفاع عمليات إعادة
العذرية, وارتفاع نسبة الدعارة التي صارت تتخذ شكلاً فضائحياً زواج فتيات
صغيرات من رجال كهول, مقابل مبلغ من المال, وبرضى تام من الأهل..
إن هذه العقلية الاجتماعية المتخلفة يجب أن تتغير, وأن يتم احترام انسانية
الرجل والمرأة معاً, وأن تتغير النظرة الى المرأة كسلعة يحدد قيمتها
العمر, فلا أحد يستنكر زواج رجل في الستين من امرأة في الثلاثين, بينما
يستنكرالكثيرون زواج شاب في الخامسة والثلاثين مثلاً من فتاة في عمره!!
حتى المفاهيم الاجتماعية الأخلاقية مثل السمعة والعفة والعذرية تستخدم
عادة كسياط لجلد النساء واستعبادهن… وإن دلت الأرقام المخيفة لارتفاع
عمليات إعادة العذرية على جنسية عشوائية لكني أطالب بنظرة انسانية ومنطقية
لمفهوم الشرق..
إن حل مشكلة العنوسة التي تعني تعطيل الطاقات الحيوية والرغبة بالحياة
وببناء مستقبل مشرق يقع على عاتق مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية أيضاً,
فالأولى عليها ايجاد
فرص عمل ودخل محترم للشباب, والثانية عليها التركيز على خلق علاقة انسانية
تصون كرامة المرأة والرجل وتشعرهما بكرامتهما كمخلوقين متساويين تماماً في
القيمة.
منقول للفائدة