رحيل المخرج الاميركي سيدني لوميت .. رائد إبداعات التشويق والإدانة
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
mäläk sÿ ادارية نشيطة
الدولة / المدينة : syriaرقم العضوية : 6الابراج : عدد المساهمات : 13615العمر : 30العمل/الدراسة : طالبة طب.. متزوجة . : كونوا على ثقة..
الحب الانترنتي متل فتيش راس السنة.. ضجة و الوان و ريحة..
و اخرتو عالزبالة .. و شكراً ^_^ الأوسمة :
-----------------
معارف: (5/5)
موضوع: رحيل المخرج الاميركي سيدني لوميت .. رائد إبداعات التشويق والإدانة 14/04/11, 09:59 am
رحيل المخرج الاميركي سيدني لوميت .. رائد إبداعات التشويق والإدانة
يعتبر المخرج الاميركي سيدني لوميت الذي غيبه الموت قبل ثلاثة أيام عن 86 عاما اثر معاناة مع السرطان فنانا سينمائيا بالمعنى الحقيقي، فهو ليس مجرد مخرج أفلام ينفذ السيناريوهات التي يكتبها له الآخرون، بل هو نموذج للمبدع الذي يتملكه طموح شخصي في التعبير عن رؤيته الذاتية تجاه الحياة، والآخرين.
ناقشت أفلام لوميت الذي جرى الاحتفاء بإبداعاته السينمائية في حفل الاوسكار لعام 2005 ومنح عنها مجتمعة جائزة الاوسكار تناقضات الواقع في بلد مثل أميركا وتحديدا في مدينة نيويورك، ومشاكل الفرد والمجتمع والطبقة الحاكمة فيها، مما جعله يترك بصمته الخاصة لدى عشاق الفن السابع وعلى تاريخ الفن السينمائي.
أبصر لوميت النور العام 1924 في ولاية فيلادلفيا، وتلقى تعليمه الأساسي في مدرسة الأطفال المبدعين في ولاية كولومبيا، وهو ابن لوالد نال شهرة لأدائه الأدوار التمثيلية على خشبة المسرح، بيد أن شهرة لوميت جاءت من خلال عمله في الإذاعة عندما كان عمره أربعة أعوام وظهر كطفل في أكثر من برنامج وعمل تمثيلي وعلى وجه الخصوص في مسارح برودواي.
عندما بلغ لوميت الخامسة عشرة اتجه صوب التمثيل السينمائي وظهر بفيلم «احد ثلاثة من الأمة» 1939، وقبل ذلك بفيلم «نهاية مميتة» 1939، وبعد أن تنقل بين أكثر من معهد فني والعمل في المسرح أو على الشاشة البيضاء.
أسس العام 1942 جماعة مستقلة عن مسرح برادوي ليصبح مخرجا مسرحيا مختلفا ويقوم بالوقت نفسه بتلقي دروس تمثيلية في المعهد العالي للفنون الجميلة، والتي منها اتجه صوب العمل التلفزيوني واخرج فيه العديد من الأعمال والبرامج التلفزيونية لمحطات تلفزيونية متنوعة، مما أهله ذلك لأن يضطلع بإخراج أول عمل سينمائي طويل يحمل عنوان «اثنا عشر رجلا غاضبا» 1959 متلقيا دعما من النجم الذائع الصيت في تلك الحقبة هنري فورد الذي اضطلع بالدور الرئيسي بالفيلم.
تكرس اسم لوميت بفيلمه التالي «رحلة طويلة حتى منتصف الليل» إلى جانب فيلم «مستر هن» العام 1965، وتوالت نجاحات لوميت السينمائية وعنها نال الكثير من ثناء النقاد وإعجاب الجمهور، وغدا اسما تسعى إليه دوما شركات الإنتاج الكبرى لتحقيق أعمالها السينمائية، وليصير واحدا من المخرجين الذين اكتشفوا طاقات تمثيلية ومواهب كان لها شأن لا يستهان به في دنيا الأطياف والأحلام.
بيد ان ذلك لم يمنع كثير من المنتجين الجهر بأن لوميت تتملكه نرجسية خاصة في علاقاته مع شركات الإنتاج فارضا شروطه عليها، ومتدخلا في الجوانب الأساسية للعمل والأسلوبية التي يتناول فيها نصوص سيناريوهات أعماله.
مع بداية حقبة السبعينات من القرن الماضي حقق لوميت نجاحا تجاريا مدهشا في أكثر من فيلم من بينها فيلم «سربيكو» 1973 المأخوذ عن قصة حقيقية لأحد رجالات الشرطة الذي يكتشف حالة فساد في مكان عمله، وفيلم آخر معنون «جريمة في قطار الشرق السريع» 1974 المقتبس عن رواية شهيرة للكاتبة اجاثا كريستي تحمل ذات العنوان، هذا كله إلى جانب الثناء والمديح النقدي الذي صادف فيلمه المثير «بعد ظهر يوم لعين» 1974.
ويتوج لوميت نجاحاته المتتالية بفيلم « الشبكة» 1975 الحائز على عدة جوائز اوسكار، وهو عمل يتوجه فيه مخرجه القادم مما اصطلح على تسميتهم بجيل التلفزيون وفيه هجاء حاد لمحطات التلفزيون بالولايات المتحدة وصراع القوى والشركات الإعلامية الذي يصل إلى حد إدانة المجتمع نفسه، عبر تلك النماذج المرضية التي يقدمها الفيلم والتي تعيش في خواء فكري وإنساني وتلهث وراء الدعاية والحلم الزائف بعيدا عن أي أحاسيس ومشاعر أو أثر للعواطف والأخلاق، ويجسده كعالم شرس وطاغ يقود إلى الجنون.
استمر سيدني لوميت في إنجاز أفلامه العديدة، التي تحمل عادة قيمة ثابتة في الفضح والإدانة لرموز مجتمعه ومدينته الكبيرة نيويورك، وأغلبها أفلام ذكية ومبهرة بمضامينها وتحمل قدرا من المتعة والتكوينات الجمالية، وتبنى وجهة النظر التي تقول إن أفضل المضامين الفكرية والاجتماعية والإنسانية والفنية والثقافية أن تصل إلى الناس ضمن أفضل السبل السينمائية المناسبة سواء بالتشويق البوليسي أو ضمن الإطار الاجتماعي المجبول بحركته الصاخبة.
وكما تميزت أسلوبية لوميت الإخراجية بالمتانة كانت أيضا إدارته الرائعة للممثلين في تقديم أقصى ما لديهم من طاقة وتفهم ناصية أدوارهم واختياره لمدينة نيويورك فضاء لعوالمه السينمائية التي يكشف فيها خبايا ومؤامرات وقسوة العيش والامه على نحو يذكر بتلك الأجواء التي يسبر أغوارها كل من زملائه المخرجين: وودي الان ومارتن سكورسيزي ولئن تباينت فيها أسلوبية الواحد عن الآخر .
بعد أن تتالت عناوين أفلام سيدني لوميت : «نوع من النساء»، «رحلة طويلة حتى منتصف الليل»، «سقوط آمن»، «الجحيم»، «المجموعة»، «الموعد»، «إيكوس»، «اخبرني ما الذي تريده»، «قوة»، «أمير المدينة»، «غريب بيننا»، وسواها تبين للمتلقي وعشاق أفلامه حجم القلق والحيرة التي تنتاب المخرج في اصطفاء هوية شخوصه داخل مدينة نيويورك غالبا، يوظف من خلالها رسائل سياسية واجتماعية وثقافية في ذات الوقت الذي يوظف فيه الصورة الشكلية له كمخرج ناقد وناقم على سلوكيات ليس بالمقدور إعادتها إلى صوابيتها. ترمي أغلبية أفلام لوميت إلى أن تكون تصويرا واقعيا للفساد الذي استشرى في أقسام الشرطة والقضاء في مدينة نيويورك، وهناك أيضا جماعات العصابات المنظمة ومراوغتها المخادعة حتى لا ينكشف أمرها والتي تجد حصانة وحماية من فاسدين يعملون في فرق التحريات الخاصة والتحقيقات البوليسية.
غالبا ما يختار سيدني لوميت مواضيعه بعيدا عن مواضيع السينما الاميركية السائدة، وفيها يقترب شأن زملائه في تيار «جيل التلفزيون» من تيارات السينما العالمية التي بدأت في أفلام «الموجة الجديدة» في السينما الفرنسية، و «الواقعية الجديدة» في السينما الإيطالية، أو «السينما الحرة» في بريطانيا، من هنا ليس بالغريب على لوميت أن يجنح أحيانا بأعماله صوب الإنتاج الأوروبي وعلى وجه الخصوص بعض أعماله التي حققها مع السينما البريطانية.
لا شك ان قيمة أعمال لوميت تأتي من كونها مليئة بالحلول الإخراجية المختلفة عن مثيلاتها في السينما الاميركية «الهوليوودية» والتي كثيرا ما يتوفق لوميت في ابتكارها بأفلامه التي تتناول مظاهر الحياة الاميركية بشكل واضح المعالم، ويكشف فيها عن أوضاع اجتماعية وسياسية ذات تحيز طبقي وعنصري، ويلقي في الوقت نفسه إضاءة على الواقع الحياتي المعاش وتفاصيله من خلال الصورة البليغة وكلمات الحوار المكتوبة بدراية ووعي، والتي تحتاج إلى يقظة في التقاط معانيها العديدة التي تحفل بها أفلامه الجريئة، والتي لا تخلو من نزعة إنسانية في رؤية فنية تنطوي على قدر من الجرأة والحيوية والتساؤلات التي تحمل الإجابات بالإدانة لأنها تكشف شيئا من الخداع في ذروة حركتها العنيفة.