السلام عليكم و رحمة الله و بركاته... الحمد لله الذي كتب على نفسه الرحمة و وصف نفسه بالغفور الرحيم فقال تعالى "عبادي أني أنا الغفور الرحيم". سبحانه تفضل على عباده، وليس بالواجب عليه، أن يقربهم
إليه في كل الأوقات عن طريق الأحداث و تنوع واردات الأحوال و هو سبحانه و تعالى الغني ذو الرحمة و هو المتعال صاحب الملك و رب العالمين. و من المعلوم قطعا أن ليس لله منفعة في عذاب الناس و دخولهم النار "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما".بل إن الله سبحانه و تعالى أعان العباد على الدخول في الهداية و بصرهم بالطريق و لم يتركهم بلا هداية في الطريق و لكنه جعل إشارات و رسم إمارات في الطريق حتى يهتدي بها السائر إلى الله و يستنير به قلبه و لعلهم يبصرون , فاهتدى من إهتدى و ضل من ضل. فمن نكث فإنما ينكث على نفسه , من إهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها و ما ربك بظلام للعبيد سبحانه و تعالى.و في الحكم العطائية "من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الإمتحان" فإن الله حريص على هداية الناس و إرشادهم إلى الطريق. لعل المتأمل في تصريفات الله في خلقه يجد العجاب , فمن الناس من يتوب نتيجة وفاة أحد والديه و كم من منيب إلى الله عند ضياع ماله أو سلطانه و كم من زوال صحة كان سببا في قنوت العبد و رجوعه إلى مولاه جل و علا. إن لله في خلقه شؤون فإعتبروا يا أولي الأبصار. ربما تجد أن بعض الناس يفسده الغنى و يبعده عن الطريق فترى أن الله قد أقامه في الفقر , و ربما تجد أن بعض الناس تطغيه الصحةو البنيان القوي فترى أن الله يبتليه بالأمراض.و في الحديث الصحيح :"عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل" قيل أنا جائت في قوم أسروا في معركة و دخلوا الإسلام لذلك و البعض يقول أنها تعني أن الله أوجب على بعض الناس الإبتلاءات التي تقربهم للجنة : "علم قلة نهوض العباد الى معاملته ,فأوجب عليهم وجود طاعته ,فساقهم اليه بسلاسل الايجاب, عجب ربك من قوم يساقون الى الجنة بالسلاسل".إن من رحمة الله بالعباد أنه يظهر لهم فسادا ناتجا من الذنوب حتى يرجعهم إلى رشدهم , فقال تعالى:"ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". أنا في رأيي أن هذه الآية تدل على مدى رحمة الله تبارك و تعالى بالخلق. فقد جعل الله بعض الأثر السئ نتاجا من العمل السئ حتى تكون عظة و تذكيرا و إرداعا لصاحب المعصية و لغيره من الشهود. و من الرحمة أيضا أنه لم يجعل الإنسان يذوق كل ما عمل من سوء بل جعل بعضه "ليذيقهم بعض الذي عملوا" فلو آخذ الله الناس بكل الذنوب ما ترك على ظهرها مندابة "و لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة" وقال تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة".و من شواهد رحمته في القرآن كذلك قوله تعالى "ليجزي الذين آساءوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى" و لم يقل ليجزي الذين آساءوا بالسوءا و لكنه يجزي الذين أحسنوا بالحسنى.لقد إستفاض العلماء في الحديث عن آثار الذنوب و منهم من بين أن منها إفساد الأرض و المحاصيل و الجو و الحياة و الحيوانات و الكائنات. و هذا من رحمة الله كما بينا و لكن إذا إشتد غضب الله على إنسان أخذه أخذ عزيز مقتدر فإن الله تعالى يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته.و لكن من هم الذين يرجون رحمة الله؟هنا الجواب الكافي في هذه الآية :" إن الذين آمنوا , والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولائك يرجون رحمة الله , والله غفور رحيم"..فياليتنا ننتفع برحمة الله الذي يريد الأوبة لعباده فإن الله يحب الأوابين