التغيير يهز العالم العربي... ليبيا.. وضرورات التدخل العسكري الدولي

التغيير يهز العالم العربي... ليبيا.. وضرورات التدخل العسكري الدولي

ذكر جنود في مدينة طبرق (شرق ليبيا) الأسبوع الماضي أن المنطقة الشرقية كلها باتت خارج سيطرة الزعيم معمر القذافي. وحين يذكر اسم طبرق تقفز في أذهان العسكريين من أرجاء المعمورة صورة عسكرية رومانسية مثيرة.

فقد أصدرت القيادة الألمانية لجيش البانزر الإفريقي، أمر عمليات بالهجوم على طبرق، في فجر 20 يونيو 1942، ونجح الجنرال رومل في فتح ثغرة بعمق 2 كيلومتر، وتابعت مجموعة قتال الفيلق الإفريقي تقدمها بسرعة مروعة، حتى وصلت إلى بلدة طبرق قبل انسحاب أية قوات معادية منها، فاستسلم 33 ألف جندي، ودخلها رومل بعد 26 ساعة من بدء العمليات، وبذلك أحرز الفيلق الإفريقي أعظم انتصارات.
لكن تكلفة النصر كانت مقابر لا تزال كالوشم الحزين في وجه طبرق: فالمقبرة الألمانية تضم رفات 7 آلاف جندي، والفرنسية 200 جندي، والكومنولث 2479 جنديا، أغلبهم من الأستراليين، بينما تضم مقبرة عكرمة رفات 3649 جنديا معظمهم من الإنكليز وجنوب إفريقيا ونيوزيلندا.

كشف الغطاء
ولأن ليبيا أرض الأعمال العسكرية الخاطفة، كما فعل رومل، وكما فعل القذافي نفسه في قرية اسمها جهنم، حين قفز إلى السلطة وهو برتبة ملازم أول فقط، وعمره 27 عاما، لذا لا نرى ما يخرج عن المعقول لو تدخل المجتمع الدولي عسكريا لإنقاذ الشعب الليبي.
في الجانب السياسي لعملية التدخل العسكري الدولي المحتملة في ليبيا لا بد من قراءة الموقف العربي والدولي بطريقة استشرافية. فقد شجب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بشدة أعمال العنف التي يرتكبها النظام الليبي ضد أبنائه العزل. كما شجبت جامعة الدول العربية قمع القذافي لشعبه، وأوقفت المشاركات الليبية فيها. بل إن إفريقيا التي طالما راهن عليها القذافي قد قلبت له ظهر المجن. وبهذين الموقفين (العربي والإفريقي) يفقد القذافي الغطاء الذي يحتمي به أمام القرارات الدولية. أما في مجلس الأمن الدولي، فقد لاحظنا غياب دول كان يمكن أن تتعاطف مع النظام الليبي مثل كوبا وفنزويلا.
كما لا يوجد بلد عربي في مجلس الأمن في دورته الحالية إلا لبنان الذي يجرم القذافي رسميا على اختطافه لموسى الصدر.

مواقف دولية متفاوتة
يبقى في الجانب السياسي لعملية التدخل العسكري المحتمل موقف الدول دائمة العضوية، ونرجح كفة التدخل أكثر من الحياد، أو الضغوط الأخرى لتوافر مبررات كثيرة منها: الإبادة الجماعية التي حصدت أرواح أكثر من 7 آلاف قتيل، الخطاب غير المتزن الذي أهدر القذافي فيه دم الشعب وأمر بقتلهم بشكل رسمي، وظهور بوادر لحرب أهلية وفتنة بين أطياف وعشائر الشعب الليبي.
أما موقف الدول دائمة العضوية، فقد ظهر على شكل تصريحات، منها: الموقف الأميركي، على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وقولها إن واشنطن ستتخذ خطوات مناسبة بما يتماشى مع سياساتنا وقيمنا وقوانيننا، ولكن يجب أن نعمل بالتنسيق مع المجتمع الدولي. والموقف الأوروبي على لسان كاثرين أشتون التي طلبت من القذافي الكف عن تهديد شعبه. أما الصين فقد أبدت قلقها من الوضع، لكنها لم توبخ القذافي، فيما أعربت روسيا عن قلقها من سقوط كثير من الضحايا بين المدنيين، لكنها وحفاظا على مصالحها النفطية، ولكون ليبيا سوق سلاح رائجة لها فقد ذكرت أنها تخشى سقوط أنظمة عربية بأيدي متطرفين إسلاميين، وهي نغمة تكررت على لسان أكثر من مسؤول أوروبي.
يعتبر التدخل العسكري خيارا صعبا لكثير من الدول حتى الكبرى منها، لكن بإمكان الولايات المتحدة تحريك بعض القطع البحرية المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط. ومنها مجموعة القتال إنتربرايز التابعة للأسطول الخامس بدعوى الطوارئ، لتنفيذ عمليات إجلاء للأميركيين والأوروبيين وحتى الأجانب بالقوة، بعد رفض السلطات الليبية هبوط طائرات نقل عسكرية أميركية، كما أن بإمكان البريطانيين القيام بنفس الدور، خصوصا بعد تحرك الفرقاطة كمبرلاند إلى المياه الدولية الليبية. وكلا القطع البحرية تضم طائرات مروحية وطائرات نفاثة من طراز هارير.

خيار صعب
إن صدور قرار من مجلس الأمن بالتدخل العسكري لإسقاط القذافي، كما سقط صدام حسين، يعني تدخل حلف شمال الأطلسي برمته، فما القوات التي ستنتظرهم على الأرض الليبية، وما نوع العمليات المطلوبة؟ ليس في القوة الجوية الليبية طائرات حديثة من الجيل الخامس أو حتى الرابع المتطور. والطائرات العاملة في سلاح الجو الليبي حاليا هي 12 طائرة ميراج فرنسية من صنع السبعينات، ومثلها 25 طائرة ميغ 21، و125 طائرة ميغ 23، و40 طائرة سوخوي 22، و12 طائرة سوخوي 24. لكن تحقيق السيادة الجوية للقوات الغازية لن يتطلب أكثر من يوم أو نصف يوم.
ويبقى خطر وسائط الدفاع الجوي أكثر جدية من الطائرات. حيث يتمركز الدفاع الجوي في مدينة هون في منطقة الجفرة (تبعد عن البحر حوالي 330 كلم، وعن طرابلس الغرب حوالي 650 كلم). ويضم 90 بطارية سام 2، و10 سام 3، و48 سام 6، وصواريخ رابير ونظام جرناس.
أما القوة البحرية الليبية المتواجدة في القواعد في بنغازي وطبرق وطرابلس ومصراتة ودرنة، فصغيرة مقارنة مع قوات دول البحر المتوسط، وتتألف من عدد محدد من الفرقاطات ذات الصواريخ، ومجموعة من زوارق الدوريات لحماية السواحل، والأمر الجدي في سلاح البحرية الليبي هو 6 غواصات من نوع فوكستروت كلاس، والتي شكلت تهديدا رئيسيا للبحرية الأميركية المتواجدة في البحر المتوسط عندما ضرب رونالد ريغان في الثمانينات النظام هناك ضربات موجعة. وعلى الأرض، لا يوجد ما يشكل خطرا على مشاة البحرية، إلا القوات الخاصة الليبية التي يترأسها نجل القذافي الأصغر خميس، وتتكون من عناصر الحرس الثوري من قبيلة الرئيس والقبائل القريبة منه، بالإضافة إلى مرتزقة من بعض الدول الإفريقية والآسيوية. وهي قوات صفوة، قامت بتدريبها القوات الخاصة البريطانية في صفقة عسكرية سرية أثارت سخطا على حكومة غوردن براون، بسبب صلتها بالإفراج عن المقراحي.

الخيار الممكن والمفضل
لذا يبقى القصف الجوي المنتقى للقوات الخاصة الليبية هو العمل الممكن المفضل، حتى يستطيع الليبيون الخروج للشوارع وإدارة الأمور من هناك، كما يخلق انشقاقات في قوى الأمن والجيش فينهار النظام.
لقد حكم القذافي ليبيا 42 عاما، لكنه رغم ذلك سيبقى ضمن شخصيات بالغة الصغر أمام نافذة التاريخ الواسعة، وسيخلد التاريخ تدخل المجتمع الدولي أكثر من اسم القذافي، بل إن التاريخ سيساعد المجتمع الدولي في سعيه هذا حين يسترجع لنا تدخل المجتمع الدولي لإسقاط الطاغية صدام حسين في بغداد، وإسقاط سلوبودان ميلوزوفيتش في بلغراد. لكن لهذا التدخل جوانب سياسية وعسكرية، وإن كانت الكلفة العسكرية أغلى ثمنا، إلا أنها أسهل من الكلفة السياسية التي ستأخذ وقتا ثمينا من حياة الشعب الليبي الذي يفتك به القذافي وزمرته.
أما أضعف الإيمان فهو الحظر الجوي. والتردد في عدم تطبيقه اليوم قبل غد، يعني استخدام القذافي طائرات الهليوكوبتر لقتل شعبه، بالإضافة إلى أن الحظر الجوي سيوقف تدفق المرتزقة إلى ليبيا، وهي عملية كما تقول مصادر عسكرية مستمرة بوتيرة كبيرة منذ بدأت ثورة الغضب الليبية.

الشرق الاوسط اليوم السبت 5/3/2011

» تسليح الجيش السوري الحر الخيار البديل عن التدخل الدولي الممنوع بالفيتو الروسي
» مستخدمو الانترنت في العالم العربي يعادلون عدد سكان فرنسا!!
» حكومات العالم تجلي رعاياها من ليبيا وإيطاليا تحذر من حصول أزمة إنسانية «كارثية»